قبل أن نتناول جوانب البحث في هذا الموضوع، نود أن نؤكد على مجموعة من الحقائق التي قد تكون وردت في البحوث الأخرى بشيء من التفصيل.
الحقيقة الأولى: الاختلاف في الآراء وفي الاجتهاد أمر وارد وليس أمراً محظوراً. يؤكد هذه الحقيقة قول اللَّه عز وجل في (سورة النساء الآية:59 )، {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمر منكم فإن تنازعتمُ في شيء فردّوه إلى اللَّه والرسولِ إن كنتم تؤمنون باللَّه واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً}.
فالآية تفيد توقع حدوث التنازع واختلاف الرأي حول أمر معين لم يحدث فيه اتفاق من خلال النصوص الثابتة في كتاب اللََّه تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، ومن الواضح أن الاحتكام إليها إنما هو محاولة إلى تعزيز الرؤية الاجتهادية، بما يساعد على الوصول في النهاية إلى رأي له سند مشروع من الكتاب والسنة، إن لم يكن على سبيل القطع فهو على سبيل الترجيح.
كما يؤكد هذه الحقيقة قول النبي عليه الصلاة والسلام ، >من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد< والحديث يفيد أن اجتهاد البشر ليس صواباً كله، واحتمال حدوث الخطإ في الاجتهاد أمر وارد، ما دام أن المجتهد لم يدخر وسعاً في النظروالتأمل والقراءة والفحص، وما دام قد ملك أدوات الاجتهاد بدليل كلمة (اجتهد) التي يُعنى بها بذل الجهد والطاقة في العلم الذي ينسب أو ينتسب إليه موضوع الاجتهاد.
الحقيقة الثانية : لا اجتهاد في أمور العقيدة وفي الأمور التي ثبتت من الدين بالضرورة. وبالتالي فإنه لا مجال لوقوع الاختلاف بين علماء وفقهاء الأمة الإسلامية في هذا الجانب، حيث أصَّل الوحي الإلهي والتوجيه النبوي أصول هذا الجانب في الإلهيات والنبوات والسمعيات وفي أركان الإسلام... ولم يعد من صالح البشر أن يبقى هذا الجانب مجالاً للبحث والنظر وتبادل الرأي، فليس من حق أحد أن يحل حراماً حرمه اللَّّه، أو يحرم حلالاً أحله اللَّه، أو أن يضيف أو أن ينقص ركناً من أركان الإسلام، أو أن يبطل حداً من الحدود التي شرعت بالوحي الإلهي، إلى غير ذلك من الأمور التي ثبتت من الدين بالضرورة.
الحقيقة الثالثة: الاختلاف المذهبي في غير الأصول أمر تقتضيه الضرورة، وذلك لأسباب منها:
.1 الحياة لاتسير على وتيرة واحدة، وإنما تتعدد أنماطها بتعدد ما يصل إليه البشر من وسائل تعينهم على أداء رسالتهم في الحياة.
فنحن اليوم غيرنا بالأمس، ونحن الآن غيرنا من عشر سنوات، وغيرنا من قبل ذلك على مر السنين.
.2 الناس لا يعيشون في مكان واحد تتحد فيه الأرض وأحوال الجو ومظاهر الطبيعة وتقلباتها، كما يتحد فيه الزمن وفصول العام. وإنما يعيش الناس في مناطق متعددة، وفي قارات مختلفة، وفي مظاهر جوية متباينة، وفي مصادر بيئية متنوعة، وفي موارد اقتصادية متفاوتة، وفي قدرات بدنية غير متكافئة. ومن هنا يكون البحث عن الأنسب من شؤون الحياة هو الأمر الملائم للفطرة وللزمان والمكان، بينما يكون صبغ الحياة بنمط واحد أمراً مضاداً لهذا الفطرة، ويكون ذلك بمثابة تحديد زي ملبسي واحد يلبسه كل الناس في كل مكان، دون اختلاف بين مكان بارد وحار، أو بين جو جاف وممطر ودون اختلاف بين الإنسان القصير والآخر الطويل، ولابين السمين والنحيف ولا بين الصغير والكبير.. . إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف التي تقتضي اختلاف الأشكال والأطوال والألوان والأنواع.
.3 البشر مختلفون في قدراتهم العقلية، وفي مستوى الذكاء، مما يقتضي اختلافهم في الفهم والاستنباط والاحتجاج والتفسير والتأويل، كما أنهم مختلفون في مقادير ما يحصلونه من العلم، وما يدخرونه في ذاكرتهم من المعلومات، فمنهم من يحفظ ويستوعب، ويستبقي ويدخر، ومنهم من يعرض عليه النسيان، وقلة التذكر وتفلّت بعض المعلومات، مهما حاول أن يقيدها بقيود الحفظ والمراجعة والتكرار. وليس من وراء ذلك كله إلا أن نرى اختلافاً في الرؤى، ويكون لكل رؤية مقدارها من القوة أو الضعف بمقدار ما وراءها من رصيد المعرفة المختزن في الذاكرة.
.4 جوهر اللغة العربية التي تختلف عن غيرها من اللغات بما تشتمل عليه من ألفاظ حقيقية وأخرى مجازية، وبما يأتي فيها من اختلاف معاني الحروف وتعدد معاني الحرف الواحد، وصلاحيته لأن يفهم منه أكثر من معنى باعتبار مادخل عليه من الكلمات، وكذلك فإن أسلوب اللغة العربية له سماته من حيث التقديم والتأخير والتعريف والتنكير، والتذكير والتأنيث، والذكر والحذف، والإظهار والإضمار، والتأكيد وعدم التأكيد، والخبر والإنشاء، وخروج الكلام على غير مقتضى الظاهر، واختلافه باختلاف مقتضى الحال، إلى غير ذلك من أمور اقتضت إمكان تعدد ما يؤخذ من الكلمة الواحدة والحرف الواحد فضلاً عن الأسلوب الذي يأتي على طرائق متعددة وأنماط مختلفة، وفي الوقت الذي نرى فيه دواعي التعدد في فهم اللغة ذاتها، نرى اختلاف المتعاملين مع هذه اللغة واختلاف درجات تخصصهم فيها، ومن ثم اختلافهم فيما يؤثرون ويرجحون، ومايختارون وما يردّون، ومايقبلون ومايرفضون.
.5 تجدد مشكلات الحياة التي تطرأ في كل عصر وفي كل بيئة مع ظهور مكتشفات حديثة ومخترعات جديدة، واختلاف الناس في مواجهة هذه المكتشفات والمخترعات من واقع قياس الحاضر على الماضي، ومدى الاستفادة من رصيد الماضي في معالجة مشكلات الحاضر، وهل تكفي بذاتها؟ أو أنها لاتكفي وهي بالتأكيد كذلك، وبالتالي فلابد للناس من بحث عن سبل العلاج؟ فمنهم من يهتدي، ومنهم من لايستطيع، ومنهم من يعثر على شيء دون شيء، أو يرضى بشيء دون شيء آخر، وهنا يحدث مثل هذا الاختلاف الذي لامناص ولامهرب منه بل لابد منه، وهو خلاف ينبغي أن لا يقابل بشيء من الحرج، ولا أن تضيق به الصدور، ولا أن تتحجر أمامه العقول، ولا أن توصد في طريقه أبواب الفهم المستنير، ولا يحـظر على أحد في أن يقبل أولايقبل، فمن شاء أخذ ومن شاء لم يأخذ، وكلُّ له سعة من أمره، مادام لم يلزم غيره، ولم يحاول أن يأخذه قسراً إلى رحابه وميدان رأيه.
.6 لكل هذه الحقائق وغيرها جاءت الحقيقة التي سجلها القرآن الكريم في قوله عز وجل: {ولو شاء ربّكَ لجعلَ الناسَ أمةً واحدةً ولا يزالونَ مختلفين* إلا من رَحِمَ ربُّكَ ولذلك خلقهم} .(سورة هود، الآية: 118، ومن الآية: 119). وقوله سبحانه وتعالى: {ولو شاء ربّك لآمنَ مَنْ في الأرض ِكلّهم جميعاً أفأنتَ تُكْرِهُ الناس ََحتى يكونوا مُؤمنينَ}. (سورة يونس، الآية: 99)، إلى غير ذلك من آيات تؤكد ورود الاختلاف في حياة البشر، وترشد في الوقت نفسه إلى مدى ما يوجبه ذلك من عدم نقل الاختلاف من مِِنْطقة تعدد الآراء إلى مِنْطقةِ التنازع والاشتجار، وتبادل التهم بالكفر والمروق من الدين أو الفسوق والإلحاد، إلى غير ذلك من أوصاف تفرق ولاتجمع، وتهدم ولاتبني، وتفسد ولا تصلح، وتضر ولاتنفع، ويكون الخاسر في النهاية هو المجتمع الإسلامي الذي ينبغي أن يكون يداً واحدة في مواجهة المجتمعات التي تعيش معه في هذا الكون، والتي يجب أن تقدم لها عن الإسلام صورة وضيئة مشرقة تتفق مع صورته التي أرادها رب العالمين، والتي تتمثل في قوله تعالى: {كنتم خيَر أمةٍ أُخرجِتْ للناس تأمرونَ بالمعروفِ وتنهَوْنَ عنِ المنكرِ وتُؤمنون باللَّهِ}. (سورة آل عمران، من الآية:110).
كيف نستفيد من الاختلاف المذهبي في تنظيم المجتمع الإسلامي وتطويره
كل المجتمعات، ومنها المجتمع الإسلامي تتعدد فيها المظاهر الحياتية التي يتشكل من خلالها المجتمع، فهناك المظهر الديني، وهناك المظهر الفكري، وهناك المظهر السياسي، وهناك المظهر الاجتماعي، وهناك المظهر الاقتصادي، وكل مظهر من هذه المظاهر له أسسه التي يقوم عليها، وله أصوله التي تحدد له المنهج، والخطة التي يسير عليها، كما أن له حدوده التي تحدد ملامحه وشخصيته حتى لا يختلط بمظهر آخر، وحتى لا يختلط الأمر أمام الناظرين فيحسبون هذا ذاك أو ذاك هذا.
ومن هنا كان لابد من وضع الضوابط، ولابد من تحديد المفاهيم، ولابد من الاهتداء إلى الوسائل الحقيقية التي تعين على بروز كل مظهر على نحو مقبول، تجتمع عليه الأمة، وتسعى إليه، وتلتف من حوله، وتدافع عنه، وتوضح ما قد يحيطه من شبهات، وتزيل ما يعترضه من عراقيل ومعوقات، وتنير ما قد يشوبه من لبس أو إبهام.
وإذا كان الوصول إلى هذه الوسائل ممكناً عن طريق أمور يتفق عليها أهل العلم والمعرفة، وأهل النظر والفهم، وأهل الاختصاص وأصحاب الشأن، فهل من الممكن أن يحقق الاختلاف المذهبي شيئاً من هذا القبيل الذي يسهم في تنظيم مظاهر المجتمع الإسلامي، وفي تطويره تطويراً يساير به ركب الحياة، دون أن يفرط في أصوله الثابتة، وعقيدته الراسخة، وأهدافه السامية؟.
إن الإجابة عن هذا التساؤل تكون بالإيجاب إذا نحينا جانباً أموراً كثيرة من طريقناً. يستطيع الاختلاف المذهبي أن يحقق دوراً إيجابياً في تنظيم المجتمع وتطويره، إذا نحّى التعصب للمذهب الواحد جانباً، بحيث نأخذ من مجموع المذاهب ما يأخذ بيد المجتمع إلى الأمام، وما قد يفتح أمامه باباً يبقى موصداً لو استمر كل واحد على التمسك برأيه ومذهبه، ولنا في مقولة الإمام الشافعي ما قد يهدىء من روعة المتعصبين، وما يخفف من الغلو في الاعتزاز بالرأي، والاعتقاد بأنه الرأي الأوحد والأمثل والأحسن والأرشد، هذه المقولة هي: >رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب< إن هذا الرأي من الإمام الشافعي، رضي اللَّه عنه، يفسح المجال للأخذ بكل رأي لأن فيه مِنْطقةٌ مشتركة من الصواب، فإذا آثر المجتمع رأياً على رأي في نظام ما، أو في مظهرما، فعلى الآخرين أن ينزلوا عند ذلك، وأن لا ينعزلوا عن الجماعة، وأن يكونوا مع الآخرين يداً واحداةً ووجهة واحدة.
وما دمنا لانستطيع إلغاء المذهب، لأن معنى ذلك أن نلغي كل المذاهب، فإن البديل عن ذلك هو أن نجمع بين الإبقاء على كل مذهب، وبين الإفادة، أيضاً، من كل مذهب، دون تفرقة بين مذهب وآخر، أي دون تعصب لمذهب دون مذهب، ودون تحقير لاجتهاد أصحاب مذهب معين في مقابل الإعلاء من اجتهاد أصحاب مذهب ثانٍ، لأن معنى ذلك أن تفقد الأمة قطاعاً كبيراً من أبنائها الذين ينتمون إلى المذهب الذي لم يكن من حظه أن يكون رأيه مقبولاً فضلاً عن أن يكون أثيراً مفضلاً دون سواه... وهذا أمر لا تريده الأمة، ولاتسعى إليه بالتالي، ولا تعمل على ظهوره، لأن ذلك يفقد الأمة الإسلامية خصوصيتها التي تبدو في أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، كما تبدو في أن >مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى<.
وبناء على ذلك فإن إسهام الاختلاف المذهبي في تنظيم المجتمع الإسلامي وتطويره ، من الممكن أن يكون على النحو التالي:
.1 تنظيم المجتمع وتطويره في المظهر الديني. من المعروف أن هناك خلافات مذهبية نشأت في المجتمع الإسلامي وأخذت مظهراً دينياً، كما رأينا في تراثنا الديني من مذاهب مثل مذهب أهل السنة والجماعة، ومذهب المعتزلة، ومذهب الجبرية والقدرية والأشاعرة، وفي الفقه من ينتسب إلى مذهب الإمام مالك أو الإمام أبي حنيفة أو الإمام الشافعي أو الإمام ابن حنبل.. وبعض المذاهب في علوم العقيدة والتوحيد انتهت تاريخياً، ويكون من الأفضل بل من الواجب أن لا يعمل أحد على إحيائها في عصرنا الحاضر، ذلك لأن الاختلاف حول القضايا التي نشأت على إثرها هذه المذاهب، لم يعد لها وجود، بل قد يصبح الانشغال بها نوعاً من الترف العقلي، أو نوعاًَ من اقتحام الغيب، وتجاوزاً لِمنْطقة الممكن للإنسان، وصرفاً في الوقت نفسه عن الأمور الحياتية المعاصرة التي تشغل الناس، ويفكرون من أجلها ليلَ نهارَ، ويكون من العبث واللغو أن نترك الآخرين يجدّون ويجتهدون، ثم يصلون إلى ما يصلون إليه من أمور سيطروا بها على ماسخر للإنسان في هذا الكون، بينما نظل نحن في غيبوبة فكرية نتجادل حول أمور لم يصل فيها من أثاروها إلى رأي قاطع، يقطع الخلاف ويجمع الأمة من بعده حول مائدة واحدة من الفهم المؤمن بقدرات الإنسان التي يجب عليها أن لاتجاوز قدرها، ولا أن تدعي لنفسها ما ليس لها ولا في مقدروها، وأن لا تطرق أبواباً من العلم أكبر من إمكاناتها ووسائلها وما زودها اللَّه تعالى بها. إن إيقاف الجدل والبحث حول قضايا ماضية، واتفاق الباحثين على ذلك من شأنه أن يجمع كثيراً من شتات المجتمع الإسلامي الذي تفرقت وجهته نظراً لتفرق دوله انطلاقاً من الانتماء لمذهب من المذاهب التي دارت حول بحوث العقيدة على النحو المعروف في الفرق الإسلامية.
إن الاستعمار في الماضي لم تثبت أقدامه في أراضي المسلمين إلا من خلال استثماره للخلافات المذهبية وتعميقها في النفوس، وتشجيع أصحابها واستمالتهم نحوه، وضرب بعضهم ببعض، ومساعدة بعضهم ضد بعضهم الآخر، بحروب محلية ونعرات قبلية، ولو أجلنا النظر في كل أرجاء العالم العربي، بل وأرجاء العالم الإسلامي كله لوجدنا مصداق ذلك شاهداً على ما نقول من الخلاف الذي استمر عقوداً من الزمان، ومن الحروب المحلية التي نشأت بين بعض الدول، وما تزال بقايا هذه الحروب تطل برأسها بين الحين والحين، وتمثل ناراً كامنة تحت الرماد تنتظر من يشعل لها الوقود، والفتيل والوقود موجودان في يد المستعمر القديم الذي تغير وجهه الآن إلى مستعمر حديث عن الإعلام بوسائله المتعددة، ودراساته المتعمقة، التي يستطيع أن يصدرها إلى المجتمع الإسلامي فتفعل بسحرها ما كان يفعله السلاح العسكري في الماضي. وما لم تستيقظ الأمة لكل ذلك وتدرك أن أهداف المستعمر واحدة، وإن اختلفت وسائله، فإنها سوف تجد نفسها يوماً وقد ازداد انفراط عقدها، وانفصام عروتها وافتراق شملها، ثم تجد نفسها من بعد ذلك مجرد تابع ذليل يتسول المعلومة والمعرفة، ويتسول مخترعات العلم، كما يتسول رغيف الخبز، ورقعة الكساء، وقارورة الدواء.
وإذا تجاوزنا دور الاستعمار في استثمار الخلاف قديماً وحديثاً إلى ما يصنعه المسلمون بأنفسهم من أمور تهدد كيانهم، وتحدث الخلل في أساس بنيان مجتمعاتهم المحلية بصفة خاصة ومجتمعهم الإسلامي بصفة عامة، فإننا نرى في هذا المجال العجب العجاب، والأمور التي تثير الحزن والشجن والأسى في وقت واحد، وإلا فكيف نفسر قيام الحروب سنوات وسنوات بين أبناء الوطن الواحد لمجرد أن فريقاً منهم يتبع مذهباً فقهياً معيناً بينما يتبع الفريق الثاني مذهباً آخر، ثم نرى آثار هذه الحروب المخربة، وقد أقضت المضاجع، وأذهبت النوم من الأجفان، ويتمت الأطفال، ورملت النساء، وذهب الرجال الأشداء ضحايا العقول المغلقة والتعصب الممقوت، وبقي ظهر الأرض من بعد ذلك كله وقد تجرد من كل مظاهر الحياة، ولم يبق إلا الحطام والجفاف، والاستعمار يقف في جذل وانشراح، قرير العين سعيد النفس، حيث يرى نفسه أن ما آل على أيدي المسلمين أنفسهم يعدل ما كان يطمح إليه في هذا المجال مرات ومرات.
.2 تنـظيم المجتمع الإسلامي وتطويره في المظهر السياسي: الأساس في المجتمع الإسلامي أنه مجتمع قائم على التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، مجتمع قائم على أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، مجتمع قائم على طاعة اللَّه تعالى وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وطاعة أولي الأمر ما أطاعوا اللَّه ورسوله، فإن عصوا اللَّه ورسوله، فـ : >لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق< وهو مجتمع، أيضاً، قائم على أداء الأمانات إلى أهلها، الأمانات التي تكون بين الإنسان وخالقه، وبينه وبين دينه، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين مجتمعه، وهذا كله وغيره في كل صغيرة وكبيرة، وإذا حدث خلل في أداء أمانة ما فتلك هي الخيانة بعينها التي نهى عنها الإسلام، وكذلك فإن هذا المجتمع يقيم العلاقة بين الأفراد على أساس من العدل الذي يتحرى تجنب الظلم حسياً ومعنوياً، ومن الشواهد على ذلك من كتاب اللَّه تعالى: {إن اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأماناتِ إلى أهلها وإذا حكمتم بينَ الناس أن تحكموا بالعدل إن اللَّه نِعمَّا يعظُكم به إن اللَّه كان سميعاً بصيراً* ياأيها الذين آمنوا أطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمرِ منكم فإن تنازعتم في شيء فردُوه إلى اللَّهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنونََ باللَّهِ واليومِ الآخر ِذلك خير ٌوأحسنُ تأويلاً}.(سورة النساء، الآيتان: 59-58)، وكذلك قول اللَّه تعالىَ: {يا أيها الذين آمنوا لاتخونوا اللَّهَ والرسولِ وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}. (سورة الأنفال، الآية: 27). وقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقِسْطِ شهداءَ للَّهِ ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربينَ إنْ يكنْ غنياً أو فقيراً فاللَّهُ أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أنْ تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن اللَّه كان بما تعملون خبيراً }. (سورة النساء، الآية: 135)، وقوله سبحانه وتعالى: {ولا يَجْرِمِنَّكم شنآنُ قومٍٍ على ألاََّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا اللَّه إن اللَّّه خبير بما تعملون}. (سورة المائدة، من الآية:
.
وإذا كان كل ذلك وغيره لايتم إلا من خلال هيئة منفذة، وهي مكلفة من قبل هيئة حاكمة، فإنه يصبح من الضروري تكوين هذه الهيئات حتى تستقيم شؤون الحياة، وحتى يتم الإلزام للجميع على أسس طاعة أولي الأمر المطيعين للَّه ورسوله. ومع هذا الدليل النقلي، فإن فطرة الناس تعزز هذه الفطرة التي تبحث دائماً عمن يكون قائداً لها، ليكون هادياً وحاكماً ومرشداَ ومصلحاً ومستشاراً وملاذاً، ولهذا كان من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام ، أن يكون لكل تجمع شخص مسؤول عنه، ولو كان هذا التجمع قائماً على فردين فصاعداً، وتلك هي قمة المسؤولية وقمة التحضر السياسي والاجتماعي الذي يحارب الفوضى والفرقة والشتات، وذهاب كل فرد في واد لا يلتقي فيه مع من سواه من سائر الأفراد. وإذن فعلى أي شكل من الأشكال تكون هذه الهيئات، هل وضع لها الإسلام نظاماً معيناً، وهل وضع لها نظاماً واحداً، وهل وضع لها وضعاً محدداًً ثابتاً لا تتجاوزه، لقد رأينا من واقع التاريخ نظام الاستخلاف في عصر الخلفاء الراشدين يختلف من خليفة إلى خليفة، ثم جاءت العصور التالية، وفيها خلاف ما كان في عصر الخلفاء الراشدين، ومن هنا نرى أنه لم يكن ثمة من حرج في أن يجتهد المجتهدون في هذا المجال دون تثريب، مادام محتوى العدل قائماً، وما دامت الحقوق تصل إلى أصحابها، وما دام الحاكم يستشعر أنه >راع وأنه مسؤول عن رعيته<، وأن القوي في هذه الرعية ضعيف حتى يأخذ الحق منه، وأن الضعيف فيها قوي حتى يأخذ الحق له، وأن على الرعية أن تعينه إذا رأته سائراً على الحق، وأن عليها أن تقوّمه وتنصحه بما يسدده ويعيده إلى جادة الحق إذا رأته على الباطل. وعلى هذا فإن كان هناك مذهب من المذاهب يدعو إلى شكل واحد ثابت لايتعداه إلى غيره، ودونه يكون الاقتتال والاستبسال والاستشهاد، فإن ذلك يعد تجاوزاً لايرضاه الإسلام، كما يعد تحجراً يجعل الأمة في قفص ضيق محدود، تضيق به الأمة، وتضيق به طبيعة البشر، ومن ثم يبحث الناس عن المنقذ الذي قد تحدث من أجله تجاوزات ربما تراق فيها الدماء، وتزهق فيها النفوس، وتنتهك دونها الحرمات. وكل هذا غريب عن الإسلام.
إن حياتنا المعاصرة فيها أنماط وأنماط من أشكال الحكم، ومن هذه الأنماط ما يقوم على تحقيق ما يدعو إليه الإسلام من العدل والمساواة والحرية وحفظ الحياة والعقول والأموال والأعراض، وكلها أمور سبق إليها الإسلام، فهل هناك من حرج في أن يأخذ المسلمون من هذه الأنظمة ما يعينهم على تنظيم مجتمعاتهم وتطورها تطوراً يناسب الحياة، ويلائم ما جد فيها من أحداث ومخترعات دون أن يَمَسَّ ذلك جانب من جوانب العقيدة؟.
لقد حدث في المجتمع الإسلامي حوار كثير حول الأنظمة النيابية وحول مجالس الإدارات، وحول الهيئات القضائية وحول الشورى والديموقراطية، وكلها أمور ترتبط بالشكل لا بالجوهر، ترتبط بالمظهر لا بالمحتوى، ومع ذلك فإننا نرى في الواقع الإسلامي من يؤثر الاستعانة بهذه القوالب الشكلية في إقامة المحتوى وتنفيذه عن طريقها، ويراها وسيلة صالحة للتطبيق في المجتمع الإسلامي، بينما نرى إلى جانب هؤلاء من يرفض كل ذلك ويعده بدعاً من البدع المحدثة، التي هي من الضلالات التي نهى عنها الإسلام، ومع هذا الرفض فإن هؤلاء الرافضين لايكتفون بمجرد الرفض وإنما يضيفون إلى ذلك تجريحهم للآخرين، واتهامهم بالمروق لإحداثهم في الدين ما ليس منه مع أن هذا الشكل ليس ديناً ولايتبع شيئاً سابقاً عليه من الدين حتى يكون ابتداعاً فيه، ومع أنهم لو تأملوا لعرفوا أن ذلك من شؤون الدنيا التي قال في مثلها النبي عليه الصلاة والسلام ، > أنتم أعلم بشؤون دنياكم<.
إن كثيراً من الأنظمة الحديثة فيما يتصل بشؤون الإدارة والحكم هي من شؤون هذه الدنيا، التي يجب علينا أن نجدد فيها ونبتدع فيها لنصل إلى الشكل الأفضل والطريقة المثلى التي توصل الحق إلى أصحابه من أقصر طريق، وبأقرب وسيلة، وما علينا في ذلك من حرج، ولاضرورة إلى ادعاء التمذهب فيها ثم الاقتتال حول هذا المذهب أو ذاك على أساس أنه المذهب الشرعي الوحيد الذي يجب أن يقتدى به ويتبع دون سواه.
ومن هذه الأمور الحديثة طريقة الانتخاب والتصويت في المجالس النيابية والشعبية والمجامع المحلية، ومايمكن أن يؤلف من الأحزاب وتعددها، ومن المناداة بالديمقراطية والشورى.
وعلى هذا فإذا رأينا من المجتهدين من يفسح الطريق لمثل هذه الأمور المحدثة فإن على أولى الأمر في المجتمع الإسلامي أن يفيدوا من ذلك، وأن يروا في ذلك ثمرة إيجابية من وراء الحوار الذي يدور حول هذا الموضوع، وتتعدد فيه الآراء، دون أن نرى من وراء ذلك ما تضيق به الصدور، وتتصارع فيه العقول.
.3 تنظيم المجتمع الإسلامي وتطويره في المظهر الاجتماعي: المجتمع الإسلامي مجتمع تحكمه علاقات اجتماعية خاصة قائمة على رعاية الحقوق والواجبات. ففي داخل الأسرة توجد علاقة الأب بأبنائه والأم بأبنائها، وتوجد علاقة الأبناء بالآباء والأمهات، كما توجد علاقة الزوج بزوجته وعلاقة الزوجة بزوجها، ثم توجد علاقة الجميع بذوي الأرحام وبالجيران. ففي علاقة الأبناء بالآباء والأمهات نرى التوجيه القرآني {وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً،* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيراً}، (سورة الإسراء، الآيتان: 24-23) ، وقول النبي عليه الصلاة والسلام ، وسلم >بروا آباءكم تبركم أبناؤكم<، وفي علاقة الآباء بالأبناء، نرى قول رسول اللَّّه عليه الصلاة والسلام ، > كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت< >ما نَحل والد ولداً من نِحَلٍ أحسن من أدب حسن< وفي العلاقة بين الزوجين قوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة واللَّه عزيز حكيم* الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}، (سورة البقرة، من الآيتين: 229-228)، وقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل اللَّّه فيه خيراً كثيراً}. (سورة النساء، الآية: 19)، { الرجال قوامون على النساء بما فضل اللَّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ اللَّه} .(سورة النساء، الآية: 34)، ومن توجيهات النبوة قول النبي، عليه الصلاة والسلام ، > استوصوا بالنساء خيراً< و> رفقاً بالقوارير<، ومن حق الزوجة على زوجها > أن تطعمها إذا طعمت وأن تكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولاتقبح ولاتهجر إلا في البيت<.
وفي العلاقة بذوي الأرحام قوله تعالى: {وآتِ ذا القرُبى حقَّهُ}. (سورة الإسراء، من الآية : 26)، {وبالوالدين إحساناً وبذي القربى}. (سورة النساء، من الآية: 36) {يا أيها الناس اتقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلقَ منها زوجَها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا اللَّه الذي تساءلونَ بهِ والأرحامَ إن اللَّه كان عليكم رقيباً} . (سورة النساء، الآية: 1). وفي العلاقة بين الجيران. قوله تعالى: {وبالوالدين إحساناً وبذي القُربى واليتامى والمساكين والجار ِذي القُربى والجار الجنب والصاحبِ بالجَنْبِ}. (سورة النساء، من الآية: 36)، وقول النبي عليه الصلاة والسلام ، >مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سَيُورّثهُ<.
هذه العلاقات الاجتماعية لم يظهر خلاف حولها إلا فيما يتعلق بالنساء وعلاقتهن بأزواجهن أو فيما يتعلق بالحقوق بالمقارنة مع الرجال. أما الحقوق فيما يتعلق بالأزواج، فمنها ما يتصل بالزوجة وحياتها قائمة مع زوجها، ومنها ما يتعلق بها بعد مفارقة زوجها لها طلاقاً أو وفاة.
والإسلام نظم هذه الحقوق وفصلها تفصيلاً قل أن نجد له نظيراً في غير الإسلام. ولقد نزلت آيات كثيرة في هذا الشأن، وفي بعض السور القرآنية، أخذت حيزاً كبيراً،بل إن بعض السور سميت باسم (النساء)، لوجود كثير من الأحكام التي تتعلق بالنساء في كثير من آياتها، وهناك، أيضاً، سورة سميت باسم يتعلق بالنساء بعد الفراق بالطلاق، وهي سورة الطلاق، وكل من هذا وذاك يدل على العناية بهذا الشأن، ويدل من جانب آخر على مدى حرص الإسلام على بقاء هذا الجانب واضحاً كل الوضوح، سواء أكانت الزوجية قائمة أو كانت العلاقة قد زالت بسبب الطلاق، وجوهر كل هذه التعاليم قائم على تثبيت هذه العلاقة ما أمكن، وإتاحة الفرصة للإصلاح ومراجعة النفس دون تعجيل بالفراق عند حدوث أي بادرة، ولدى ظهور أي مواجهة.
وليس هناك خلاف مذهبي كثير عندما تكون العلاقة الزوجية قائمة، سواء أكانت علاقة زوجية واحدة أو علاقة زوجية متعددة، وإنما وقع الخلاف وتعدد عند حدوث الافتراق بالطلاق، وهو خلاف قائم على حفظ حقوق المرأة، وعلى الحرص على إيجاد وسيلة تمنع العلاقة الزوجية من الانهيار نهائيا،ً مع ما يترتب على ذلك من تشريد الأبناء وتعريض الزوجة لحياة الانفراد، وقد تظل كذلك طيلة حياتها دون أن تتاح لها فرصة أخرى للزواج، وما يصحب ذلك من العنت والحرج والتعرض للفتنة أو التعرض للضياع، إذا لم تجد وسيلة لمواجهة نفقات الحياة. وهنا يكون دور الفقهاء المجتهدين الذين لابد أن يكون لديهم من التفقه واتساع الفهم والنظر الثاقب، ما يجعلهم قادرين على إيثار الأيسر والأفضل في الفتوى، التي لا يترتب عليها حرج في الدين ولا جرأة في تجاوز أصوله وثوابته.
أما العلاقات بين ذوي الأرحام والجيران بعضهم مع بعض أو الناس بعضهم مع بعض بصفة عامة، فلا نظن أن هناك خلافاً مذهبياً فقهياً فيما ينبغي أن تكون عليه علاقة القريب بقريبه، والجار بجاره، والأفراد الآخرين حيثما وجد لقاء بين بعضهم ببعض.
وهي أمور خاضعة للمبادىء العامة في الإسلام التي تنطلق من مبدإ الإحسان في العلاقة على النحو الذي يؤدي إلى إيصال الحقوق، وتوفير العدل، ومنع الظلم، وإلى رعاية المشاعر الإنسانية دون تجريح أو اعتداء أو تشهير، هذا مع تقديم كل مظاهر العون في إطار مبدإ التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
إن تأكيد هذه الحقوق ومنع أي اختلاف عارض والوقوف في وجه من يريد أن يتجه اتجاهاً متشدداً يترتب عليه أن يهجر الابن أباه وأمه، أو يهجر القريب قريبه، والجار جاره، نظراً لأن هناك من لم يلتزم بأمور الدين التزاما كاملاً، أو كان له اجتهاد في مسلك شخصي آثره على مسلك آخر مع اتساع الرأي والتأويل لكل من المسلكين.
إن الاستفادة من الاختلاف المذهبي في هذا الإطار ينبغي أن يكون متجهاً نحو الأمور التي تزيد المجتمع الإسلامي تماسكاً وصلابة واقتراباً، وتجمعاً وحباً ومودة وتعاطفاً وشفقةً حتى يكون كالجسد الواحد الذي وصفه النبي عليه الصلاة والسلام ، بأنه >إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى<. إن العلماء في هذا المجال مطالبون بإظهار سماحة الإسلام، تلك السماحة التي تحذر من مجرد النظرة المخيفة فضلاً عن الكلمة المنطوقة المرهبة، أو الإشارة بالسلاح أو استخدامه لترويع الآمنين وقهر المسالمين، وفرض السيطرة على العزَّل المجردين من أي سلاح يحميهم من اعتداء المعتدين. إن على العلماء أن ينشروا بين الناس جوهر الإسلام، وأنه دين السلام الذي يقيم العلاقات الآمنة على أساس من تحيته المتبادلة بين الناس، والتي تحمل رسالة السلام والرحمة والبركة، يزفها قائلها إلى غيره، ويقبلها غيره قبولاً حسناً مطمئناً مهدئاً، مبدداً كل مشاعر الخوف والترقب من نفسه، وناشراً عليها ظلالاً من المودة والحب والتعاطف، مع ما يترتب على ذلك من التقارب النفسي، والاستعداد للتعاون وتقديم الخير قدر الطاقة طواعية واختياراً، عن جود نفسيٍ وسخاء روحي. إن على العلماء أن يذكّروا الشاردين عن هذه المعاني وغيرها، مؤثرين شعارات لاتمت إلى الإسلام من قريب أو من بعيد، وهي في الوقت نفسه تكون دعاية مغرضة يستغلها أعداء الإسلام في محاربته وفي الدعاية ضده، وفي تنفير من يريد الدخول في رحابه، والانضواء تحت رايته، والارتواء من نهر سماحته، ولن يكون ذلك كله إلا من خلال العلماء الفقهاء العارفين.
.4 تنظيم المجتمع الإسلامي وتطويره في المظهر الاقتصادي: يعد هذا المظهر من أخطر المظاهر التي ينبغي أن يوجه إليها الاهتمام في عصرنا الحاضر، ذلك لأن المعاملات الاقتصادية لم تعد كما كان الحال عليه وقت أن كان الناس يعيشون في أماكن متباعدة، وليس من السهل عليهم أن يلتقوا إلا مع شيء كبير من الجهد والمشقة. أما الآن