المساهمات : 235 تاريخ التسجيل : 27/12/2011 العمر : 29
موضوع: دروس الانشطة ' الإسلام دين الحوار' السبت يناير 07, 2012 12:49 pm
مقدمة: إن مفهوم الحوار يعتبر من المفاهيم الأكثر رقيا في التعامل بين البشر، فمنذ اللحظة الأولى للتكوين الإنساني، كان الله سبحانه وتعالى يكرّس هذه القيمة الجمالية التي يمكن أن يكون لها أثرا واضحا وجليا في تدعيم الحياة بين بني البشر، والحوار في حد ذاته ليس قِصرا على الفرد بعينه، بل يمكن أن يتعدى ذلك، ليصبح حواراً بين الأمم، و في هذه الثورة المعلوماتية، أصبح يتداول مصطلح "حوار الحضارات " والذي بدأ ينوب عن مصطلح "صراع الحضارات ". وقد ذهب القرءان الكريم في إعطاء الحوار معنى أوسع، يتعدى البشر، ويمكن أن يكون الحوار بين الإنسان من ناحية وبين مخلوقات أخرى من ناحية ثانية، سجّل القرءان الكريم بعضاً لهذه الحوارات مثل الحوار الذي دار بين سليمان عليه السلام والهدهد، والحوار الذي دار بين سليمان والنملة في سورة النمل من القرءان الكريم. ولأن الحوار على هذه الحالة من الشفافية، وبهذه القيمة الجمالية التي تلّفه، كان الخالق عز وجل يضع لنا فلسفة الحوار مع الآخر، حتى لو كان إبليس أو مع من ينوب عن إبليس، فالمولى عز وجل يمثل ذروة الخير المطلق، وإبليس عليه لعنة الله كان _ومازال_ يمثل ذروة الشر المطلق، إلا أن الله سبحانه وتعالى سمح له بالحوار والسؤال والإجابة حينما أمر الملائكة بالسجود لآدم، وإبليس رفض فكرة السجود أو تنفيذها. إن الحوار هو جوهر رسالة القرآن الكريم، فالكلمة كما يخبرنا الذكر الحكيم هي أفضل أدوات الإقناع. يقول تعالى في كتابه المحكم «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين»، ويقول عز من قائل «لا إكراه في الدين». وعلى هذا فإن تلك ستكون نقطة البداية نحو تفاهم أكثر بين الناس ومن ثم تقبلهم لبعضهم البعض بشكل أفضل. ويعني هذا القبول بالناس كما هم بدلا من الحكم عليهم وعقد المقارنات بينهم. ومن شأن هذا أن يوجِد حوارا حقيقيا يؤدي بدوره إلى تبلور مفهوم التسامح مع الآخر. نظرة عامة حول مفهوم الحوار: مركزية الحوار في الإسلام: لا يقتصر أمر التسامح المنطلق من مركزية الحوار في الإسلام على الجانب الإيماني والعقيدة، وإنما يطاول الحيّز الحضاري والإنساني بأوجهه المتعددة. وثمة من المفكرين المسلمين المعاصرين من ذهب في سياق الكلام على جدل الإسلام والآخر لترجيح مبدأ الحوار كأساس في هذا الجدل. فالحوار مفهوم بناه القرآن أولاً في الحضارة الإسلامية وغرسه في تصور المسلمين وفي رؤيتهم الكلية وجعله جزءاً من بنائهم العقلي والنفسي. بحيث لم يعد ممكناً تصور الاستغناء عنه في أي جانب من جوانب الفكر والتصور والسلوك. وعلى هذا يؤسس القائلون بهذه الحقائق المركزية مفهومهم للحوار. فالحوار المقترح اليوم سواء على مستوى حوار الأديان أو على مستوى الحوار الحضاري هو حوار متوازن ومتسامح في المستوى الأول، هدفه تعرُّف المؤمنين على ما تنبني عليه عقائد التوحيد في المسيحية والإسلام بهدف تعزيز قيم الإيمان والأخلاق وفي المستوى الثاني يهدف الحوار إلى إقامة جسور متوازنة ومتكافئة بين الحضارتين الإسلامية والغربية، واستبعاد فكرة الهيمنة والتبعية فضلا ًعن الشعور بالخوف والريبة وعقدة التصادم. وهذا الإمكان من الحوار قائم في الواقع خصوصاً لدى أهل الفكر والعلم في الغرب. الأمر الذي عبَّر عنه مفكر مثل تيتلر بأن الحوار المتبادل هو طريقة "إقناع" تشوبها الكرامة في تعامل كافة الأطراف والتي وإن اختلفت آراؤها، فإن مصلحة مشتركة تجمعها، تكمن في البحث عن أكبر قدر ممكن من الحقيقة التي يمكن لعقل أن يتوصل إليها عبر جوٍّ من الثقة والاحترام المتبادل".و ينشأ مبدأ الحوار في الإسلام من المقاصد العليا للشريعة. وفي القرآن الكريم من الآيات البيِّنات مايدل ويرسِّخ هذه الحقيقة. آيات من القرآن الكريم: {لا إكراه في الدين}، {وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألاَّ نعبد إلاَّ الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنَّا مسلمون}. الحوار حياة النبي (ص): وفي التجربة النبوية بدت مواقف الرسول (ص) من النصارى على نسق ثابت من التسامح فيما نهى عن أن يُفتن أهل الكتاب في دينهم. وتدل تحقيقات العصور الإسلامية اللاحقة على التزام المبادئ التي وضعها القرآن ورسَّختها حقبة الرسول (ص) والخلفاء الراشدين، وأخصّها أنه لا يُكره أهل الكتاب على اعتناق عقائده وعهده لهم بالمحافظة على أمنهم وحياتهم وأموالهم ودمائهم، وأنه يمتعهم بخير الوطن الإسلامي بلا تمييز بينهم وبين أهل الإسلام، وإنه يدعهم يتحاكمون إلى شريعتهم في غير ما يتعلَّق بالنظام العام كما أن الإسلام يتسامح هذا التسامح مع مخالفيه جهاراً ونهاراً في العقيدة، وهو تسامح لم ينعم به إلاّ الذين عاشوا في المجتمع الإسلامي أو تربطهم به روابط الذمة والعهد من أهل الكتاب. لقد كانت التجربة التاريخية للإسلام والمجتمع الإسلامي في عهد النبي وبعده تطبيقاً أميناً وجدياً للتشريع في مجال الحوار وفي مجال التعايش، ابتداءً من تجربة النبي مع اليهود والنصارى في المدينة ونجران وغيرهما مروراً بجميع المراحل التاريخية التي كان المجتمع الإسلامي فيها متماسكاً على أسس الإسلام. لقد اهتم الإسلام بالحوار اهتماماً كبيراً، وذلك لأن الإسلام يرى بأن الطبيعة الإنسانية ميالة بطبعها وفطرتها إلى الحوار أو الجدال كما يطلق عليه القرآن الكريم في وصفه للإنسان {وَكَانَ الإنْسَانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا}، بل إن صفة الحوار أوالجدال لدى الإنسان في نظر الإسلام تمتد حتى إلى ما بعد الموت، إلى يوم الحساب كما يخبرنا القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَوْمَ تأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}. من خلال ذلك نرى أن الحوار لدى الإنسان في نظر الإسلام صفة متلازمة معه تلازم العقل به؛ ولهذا فقد حدد الإسلام المنطلق أو الهدف الحقيقي الصادق الذي ينطلق منه المسلم في حواره مع الآخرين، فالإسلام يرى بأن المنطلق الحقيقي للحوار هو (ضرورة البحث عن الحق ولزوم أتباعه)، {فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إلا الضَّلال}، {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا اْتَّبِعْهُ إْنْ كُنْتُم صَادِقِين}، وهذه إحدى لقواعد الأساسية في الحوار الإسلامي. ولأن الحوار ضروري وملح في الدعوة الإسلامية فقد رسم الرسول الأكرم أروع الأخلاق في الحوار وأحسنها، بل وأسماها وأنبلها؛ لأنها أولاً مطلب إلهي أوصى الله به رسوله في كثير من الآيات القرآنية العظيمة، والتي من بينها قوله تعالى: {وَجَادِلْهُم بالَّتِي هِيَ أحْسَن}ُ، وكذلك قوله: {ادْفَعْ بالَّتي هِيَ أَحْسَنُ فإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيْم}. وثانياً: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بطبعه على خلق كما وصفه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْم}. ولأنه- صلى الله عليه وسلم- كذلك فقد جاء بأفضل الأساليب في الحوار نورد أهمها: * أسلوب الشك ووضع الأفكار موضع الاختبار، واحترام الرأي الآخر «وإنَّا وإيَّاكُم لَعلَى هُدَىً أو في ضَلالٍ مُبِيْن» * البدء في الحوار بالأفكار المشتركة: «قُلْ يا أهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم إلا نَعْبُدَ إلا اللهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أرْبَاباً مِنْ دُوْنِ الله». * إنهاء الحوار السلبي بالإيجابية والاتفاق:« قُلْ يا أيُّهَا الكَافِرُون لا أعْبُدُ ما تُعْبُدُون ولا أنْتُم عَابِدُونَ ما أعْبُد ولا أنَا عَابِدٌ ما عَبَدْتُم ولا أنْتُم عَابِدُونَ ما أعْبُد لَكُم دِيْنُكُم وليّ دِيْن».« وإنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لي عَمَلي ولَكُم عَمَلُكُم أنْتُم بَريْئُونَ مما أَعْمَلُ وأنَا بَرِيءٌ مما تَعْمَلُون». آداب الحوار: للحوار آداب كثيرة نقف عند أعظمها تأثيرًا وفائدة للمتحاورين: * احترام شخصية المحاور، لنتجنب عداوته، وألا نستهين به. كذلك يجب الانتباه له، وعدم الانصراف عنه أثناء حديثه. * المرونة في الحوار، فينبغي مقابلة الفكرة بفكرة تصححها أو تكملها، وقبول الاختلاف، والصبر على فكرة المحاور. * حسن الكلام:ويتطلب استعمال لغة بسيطة غير ملتبسة، مع توخي الرفق:{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} طـه، والتأدب في الخطاب: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} الأنعام، {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا}البقرة، واجتناب اللغو قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} المؤمنون. وفي الحديث الشريف:"طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه".مع استخدام ما يفهم من التعابير دون التكلف الحديث الشريفإن أبغضكم إليّ وأبعدكم عني مجلسًا الثرثارون والمتفيهقون والمتشدقون). * الموضوعية في الحوار، باتباع المنهج العلمي، والحجة الصحيحة، وقبول الرأي الآخر. * حسن الصمت والإصغاء في الحوار. شواهد على تحققها في الإسلام: من ابرز قواعد الآداب ما ورد في سورة سبأ.حيث كان الرسول محمد(ص) يحاور غير المؤمنين شارحاً ومبلغاً. ولكنهم كان يصرون على ان الحق إلى جانبهم. فحسم الحوار معهم على قاعدة النص: {أنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} (سورة سبأ). لقد وضع الرسول نفسه في مستوى من يحاور ، وهو أسمى تعبير عن احترام حرية الآخر، وعن احترامه حتى ولو كان على خطأ. وذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال القرآن الكريم: {قل لا تُسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون} فكان من آداب الحوار بل من المبالغة فيها ان وصف اختياره للحق إجرام. ووصف اختيارهم للباطل بأنه مجرد عمل. ثم ترك الحكم لله: {قل يجمع بيننا ربنا، ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتّاح العليم}. إن احترام حرية الاختيار هنا ليس احتراماً للخطأ. ولقد جاء في الأثر أن النبي(ص) حاور نصارى نجران في بيته وأحسن وفادتهم. وعندما حان وقت صلاتهم، لم يجد النبي أي غضاضة في دعوتهم، إلى أداء صلاتهم. ان العقيدة في الإسلام، تستقر بالفكر اختياراً ولا تُلْصقُ باللسان قهراً وإجبارا. والقرآن الكريم يقول {لا إكراه في الدين}. وعلى قاعدة هذه السابقة النبوية، فإن الإسلام لا يضيق بتنوع الانتماء العقدي، ولا يؤمن بالنقاء العرقي (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى). فإذا كان التنوع من طبيعة تكوين المجتمع، فان الحوار هو الطريق الوحيد الذي يؤدي بالاختيار الحر وبالمحبة إلى الوفاق والتفاهم والوحدة. ذلك إن البديل عن الحوار هو القطيعة والانكفاء على الذات، وتطوير ثقافة الحذر والشك والعداء للآخر. مفهوم الجدل: جاء في كتب اللغة أن الجَـدْل: شِدَّة الفَتْل، والجَـدَل: اللَّدَدُ في الخُصومـة والقدرةُ عليها، والجَدَل: مقابلة الحجـة بالحجـة. وفي الحديث عن رسـول (ص) أنه قال: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلا أُوتُوا الْجَدَلَ».ويتضح لنا أن كلمة الجدل تدور حول معنيين هما: المعنى الأول: وهو مأخوذ من الجَدْل الذي هو شدة فتل الحبل، وإذا نقلنا هذا المعنى اللغوي المحسوس إلى الجوانب العقلية فسنجد بينهما واتفاقاً؛ لأن كل واحد من المتجادلين يحاول بفكره أن يثني الآخرعن رأيه، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بقوة الدليل وصلابة الفكرة. المعنى الثاني: اللَّدَد في الخصومة مع القدرة عليها، وهذا المعنى اللغوي يتفق مع نوع من أنواع الجدل الفكري وهو اللجاج الذهني او العقلي، الذي لا يكون الغرض منه الوقوف على الحقيقة أو الوصول إلى الصواب والحق وإنما مجرد الجدل لأجل الجدل، وهو ما يطلق عليه العلماء الجدل المذموم ومنه قوله تعالى: {وَقَالُواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (الزخرف). أما في الاصطلاح: فهو القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات، يكون الغرض منه إلزام الخصم، وإفحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان و دفع المرء خصمه عن افساد قوله بحجة او شبهة. وقد قسم علماء المسلمـين الجدل إلى جدل محمود وجـدل مذموم.. أما المحمود فهو: ما كان من أجل تقرير الحق، وهو مهنة الأنبياء في الدفاع عن العقيدة، ومنه قوله تعالى: {وَجَـادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } (النحل)، وأما الجدل المذموم فهو: الذي يتعلق في تقرير الباطل. وقد أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {مَا يُجَـادِلُ فِى ءايَـاتِ اللَّهِ إِلاّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى الْبِلاَدِ} (غافر) وقولـه تعالى: {وَجَـادَلُوا بِالْبَـاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحَقَّ} (غافر). الجدل المحمود: الحوار والجدال والمناظرة كلها ألفاظ متقاربة لمعنى واحد، وإن كان أكثر ما جاء من لفظ الجدال في القرآن الكريم يطلق على الجدال:{وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [الكهف].و لكن جاء لفظ الجدل في القرآن أيضًا في مواضع محمودة، وهي: - قوله تعالى: {أ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت]، فهذا جدل بالتي هي أحسن لدعوة إلى الإسلام. - قوله تعالى: {أ دْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل]. - قوله تعالى: {أ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود]، فكيف جادلهم؟ لما سألهم: أبُعثتم إليهم لإهلاكهم؟ قالوا: نعم. قال: أفيهم مائة مسلم؟ قالوا: لا. قال: أفيهم خمسون مسلمًا؟ قالوا: لا. قال: عشرة مسلمين. قالوا: لا. قال: خمسة مسلمين؟ قالوا: لا. قال: فقوم ليس فيهم هؤلاء جديرون بالإهلاك، فهذا الجدل الذي حصل من إبراهيم. -وكذالك الاية التي تطرقنا لها في الدرس: قوله تعالى:{أ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة]. اهمية الحوار: يعتبر الحوار من أحسن الوسائل الموصلة إلى الإقناع وتغيير الاتجاه الذي قد يدفع إلى تعديل السلوك إلى الأفضل، لان الحوار ترويض للنفوس على قبول النقد، واحترام آراء الآخرين... وتتجلى أهميته في دعم النمو النفسي والتخفيف من مشاعر الكبت وتحرير النفس من الصراعات والمشاعر العدائية والمخاوف والقلق، فأهميته تكمن في أنه وسيلة بنائية علاجية تساعد في حل المشكلات. حوار مع فضيلة الشيخ الطنطاوي: هل الحوار نوع من الجدل ؟ ليس ذلك تماما .. إنما الحوار مناقشة مفتوحة بين أطراف ترجو الوصول إلى قرار ما أو اتفاق ما فإذا استمر الحوار حراً يسير فى قناة تحرى الحق والوصول إلى الهدف فهو حوار وإن ذهب أحد الأطراف بعيداً يريد إطالة الحوار وإضاعة الفرصة فإنما يكون ذلك جدلا لذلك يطالبنا القرآن الكريم في ممارستنا للدعوة أن ندعو بالحكمة وهى وضع الأمور في نصابها والموعظة الحسنة وهى تلك التي لا تجرح المشاعر ولا ترهق كرامة فإن واجه الداعية جدلاً ولفا ودورانا فلابد من مجادلته ولكن بأسلوب أفضل وطريقة أقصر وخط أقوم« قال تعالى وجادلهم بالتي هي أحسن مما يقولون ما هي ضوابط الحوار حول أصول الدين ؟ نحن لا نبتدع ضوابط للحوار في أصول الدين بل ونذكر بها فالعقائد لا ينبغي تناولها بعيداً عن قاعات البحث احتراماً لعقائد الجميع وعند تناولها يتصدى لها رموز يرتضيها أهل كل عقيدة للتعبير عنهم والتحدث باسمهم و إلا فيعتبر ذلك تطاولاً على عقائد الناس وقد نهانا ربنا نحن المسلمين أن نعتدى على معبودات الآخرين ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله، فيسب الله عدواً بغير علم كذلك فالشرائع التي تنظم حياة الناس ينبغي أن يكون الحوار حولها بين المتخصصين في التشريع والتقنين والدارسين لتاريخ الشرائع والقوانين يتحرون الحقيقة ويدور حوارهم في محراب علم وليس في ميدان صحافة تهيج البعض وتؤلم البعض وتحرك الخـوف والـتعصب عـنـد البعـض ضرورة الحوار في حياتنا: إن الحاجة إلى الحوار حاجة مستمرة، بل هي ضرورة حضارية لكل مجتمع، ولو تأملنا في منهجنا (الإسلام) لوجدنا في نصوص الكتاب الكريم، وفي ممارسات وسيرة رسولنا -صلى الله عليه وسلم- ما يؤكد هذا النهج الذي يقوم على قاعدة أن الحوار ضرورة حضارية لبناء المجتمع وتطويره والارتقاء به؛ لأن أي مجتمع إنساني يتألف من أفراد ومن مجموعات مختلفة المشارب والأذواق، وطرق التفكير والنظر والتأمل في الأمور، ومن ثم فإن الوسيلة الناجعة لتقريب هذه الأذواق بعضها إلى بعض، وإيجاد أرضية وقواعد مشتركة؛ ليقف عليها هؤلاء الناس وينطلقوا من خلالها هي وسيلة الحوار، وليس هناك أية وسيلة أخرى، ولذلك علينا ان نؤمن بأن الحوار هو ضرورة حضارية ليست متعلقة بظروف آنية أو بمتطلبات وقتية، هذا من حيث المبدأ، لكن لا شك أن هناك مبادئ وقواعد في حياتنا الاجتماعية ربما تكتسب أهمية أكبر، وتكون ذروتها أكثر وإحساسنا بهذه الضرورة أكثر ارتباطاً بظروف أو بأوقات أو مناسبات أو بحاجات مستجدة ربما نعاني منها، ومن هنا نربط أيضاً بين حاجتنا إلى الحوار اليوم في ظل الأزمة التي تعيشها الأمة منذ سنين طويلة، وهذا يؤكد القاعدة والمبدأ وهو ضرورة الحوار، والظروف لا تملي علينا بل هي تؤكد وترسخ هذا المبدأ، وتجعله أكثر ضرورة في وقتنا الحاضر، ومن ثم فإن كل هذا سواء إيماننا المبدئي بضرورة الحوار، أو اقتناعنا بحاجتنا بسبب ظروفنا التي نعيشها اليوم إلى الحوار، كل هذا في النهاية لابد أن يجعلنا نفكر جدياً، وننطلق من هذا التفكير الجدي إلى تفعيل دور الحوار في حياتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية بشكل عام. أساليب تنمية الحوار في حياة الشباب: أصبح الحوار في عصر المتغيرات المتسارعة مهارة حياتية لا غنى للجميع عنها من آباء وأمهات وأبناء وبنات، بل أصبحت مؤسسات المجتمع بحاجة ماسة إلى هذه المهارة المهمة والمهارة الذكية، التي تختصر المسافات لنقل المعارف والآراء والأطروحات والقيم والأفكار والاتجاهات. والمتأمل لحياتنا اليومية يجد أن الحوار هو مرتكز أساس لحياتنا وخاصة بعد دخول الاتصالات المادية التي هي جزء من نشر الحوار اليومي من خلال أجهزة الاتصالات الهاتفية والقنوات الفضائية. وتظهر أهمية الحوار بأنه حاجة إنسانية مهمة يتواصل فيها الإنسان مع غيره لنقل آرائه وأفكاره وتجاربه وقيمه، كما ان الشعوب أصبحت في حاجة ماسة لنقل حضارتها من خلال الحوار، كما ان الحوار يساعد الإنسان إلى تقوية الجانب الاجتماعي في شخصيته من خلال حواره مع الآخرين وتواصله معهم، كما ان العصر الذي نعيش فيه أصبح لزاماً على الإنسان أن يدرك مهارة الحوار من خلال ظهور القنوات الفضائية فأصبح في عالم متسارع من الاكتشافات العلمية والانفجارات المعرفية في جميع مجالات الحياة. لذا فمن الضروري إيجاد أساليب لتنمية الحوار في حياة الشباب وجعلهم قادرين على مسايرة تقلبات هذا العصر وذلك بتنمية مقدرتهم على الحوار والتواصل مع الآخر، وتنظيم ندوات اجتماعية لحل مشاكل الشباب ومعالجتها سواء منها المرتبطة بالحوار أو غيرها، وإلغاء الحواجز الاجتماعية بتنظيم حملات للتحسيس وتوعية الشباب بضرورة و أهمية الحوار في عصر المتغيرات، وإيجاد سبل لتعزيز الحوار بين الشباب. خاتمة: لقد كشفت لنا معالم منهج الحوار أنه ينطلق من حقيقة الاختلاف بين البشر، وما يستلزمها من حرية الإنسان لينتهي إلى تأكيدها، وبالتالي فهو منهج لا يهدف أكثر من دعوة الناس إلى التعرف على الحق، واكتشاف التي هي أقوم، فالحوار وفق المنهج لا ينطلق من منطق الوصاية على الآخر، أو مجرد التعريف بما عند المحاور، إنما هي قضية بحث عن الحق أين كان، وهذا لا يعني أن المسلم عندما يدخل في حوار مع الآخرين قد تخلّى عن تصوراته، إنما الموضوعية تتجلّى في الاستعداد التام للتخلي عن جميع التصورات، وتبني نقيضها إذا ما اتضح أنَّ الحق مع الرأي الآخر، وهذا الاستعداد ليس مجاملة إنما هو تعهد يعبر عن مصداقية المسلم في إتباع الحق، وهو تكليف الهي صريح في محاورة مع الآخر، "قل إن كان للرحمن ولد فانا أول العابدين"[الزخرف]. وإذا عرفنا هذه الأسس لنجاح الحوار أو على الأقل عدم تحوله إلى الضد من أهدافه السامية، عرفنا أسباب التردي والفشل في مختلف الحوارات التي تجري في واقعنا بين المسلمين أنفسهم أو بين المسلمين وغيرهم، فهي حوارات يغلب عليها منطق الوصاية وإثبات الوجود؛ لذا فهي أبعد ما تكون عن القصد إلى الحق، وهذا طبيعي إذا فقد المحاور أهم أسس الحوار وهو الحرية الفكرية التي يستطيع الفرد من خلالها اتخاذ قراره الفكري
اذن فلنبدأ بأنفسنا و نفتح باب الحوار مع محيطنا القريب عبر الحوار المباشر و المفتوح و لنشغل مواهبنا و قدراتنا على الحوار لنفتح أبواب التواصل مع الآخر البعيد من خلال كل الوسائل المتاحة لنا و نتحاور معا لإيجاد قواسم مشتركة و لتبادل الأفكار و الآراء و الدعوة مفتوحة من خلال هذا الفضاء لمناقشة كل ما ورد في هذه الوثيقة من أفكار و توسيع المفاهيم و إثرائها.
أهمية الحوار في حياة الضيف المهنية والشخصية: لقد أجرينا هذا الحوار مع المهندس غريبي مراد وهو كاتب وباحث جزائري له اهتمامات اسلامية. مضمون الرسالة: أستاذ غريبي ، ما مدى مركزية الحوار في الاسلام؟ وكيف يتجسد في حياتك المهنية والشخصية؟ نص الـجـــواب: فيما يخص الحوار في المنظومة الثقافية إن صح التعبير للإسلام، يعتبر أحد الأصول المنهجية التواصلية و المبادئ المنطقية الأساسية، كون دين الإسلام دين الحجة و البرهان و هذه إحدى مصاديق أو مسهلات بلوغ مستوى الحقيقة التي فيما يقال عنها أنها بنت الحوار(و العبارة للمرجع السيد فضل الله) ، من هنا يعتبر الحوار مأخذا حضاريا تكتمل و تتجلى بوضوح و عمق محدداته في الإسلام و بالضبط في آيات القرآن العظيم و سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم و سير أئمة الهدى عليهم السلام و كلماتهم الحضارية الخالدة، و عليه يكون الحوار نبراسا ثقافيا في السيرة العقلائية الإسلامية و يمكن القول دون إجحاف أن الإسلام استطاع أن تكون له ريادة الأدب الحواري عبر زمنه كله و من خلال عظمائه عليهم الصلاة و السلام...اما فيما يخص سيرتي الحياتية و المهنية، فالحوار هو من البديهيات و بمثابة الأداة الأكثر نجاعة في الإنسجام الإجتماعي و الثقافي و السياسي في تصوري ناهيك عن انه لقاء بين الفقه(بمعناه العام) و الأخلاق الإجتماعية ، و الحمد لله نشهد و نستوحي إلتفاتة و إرهاصات ثقافية من قبل المهتمين بالمشروع الحضاري للإسلام بالحوار كأحد الأسس القاعدية لأية استحقاقات...و بالرغم من هذا كله تبقى فلسفة الحوار بحاجة لنقاشات علمية و رؤى ابتكارية حتى تغني الحراك الحضاري الإسلامي و تبعث الوعي المركز حوله في هذا الحراك الإصلاحي و التجديدي الذي تعج به الساحة الثقافية... أشكرك أختي الفاضلة على هذا المطلب الفكري الذي أعتبره مدخل عاما للحوار الإسلامي-الإسلامي كما يختزن داخله تفاصيل منهجية مهمة بالنسبة للتواصل الإسلامي و للإحياء الرسالي بين المسلمين...كما ألفت انتباهك لكتاب جد مهم من شأنه ان يرفع لديك بعض اللبس ألا و هو الحوار في القرآن لسماحة المرجع الكبير سماحة السيد محمد حسين فضل الله دام ظله و عفاه الله و كذلك كتاب جديد صدر للعلامة الشيخ حسن بن موسى الصفار حفظه الله عنوانه: الحوار و الإنفتاح على الآخر، بالإضافة لبعض كتابات العلامة الشيخ مهدي شمس الدين رحمة الله عليه و أيضا هناك عدد خاص حول الحوار لا يحضرني الآن تعداده، من مجلة الكلمة و هناك أيضا ملف خاص حول أدبيات الحوار تجده بموقع بلاغ المغربي (www.balagh.com) و حتى تزداد همتك بإستثمار هذا البعد المعرفي الهام لابد من الإطلاع على موضوع التنمية الثقافية و محاولة ربطها بالحوار حتى تستوحي رؤية مفاهيمية أوسع للحوار و تتمكني من التجسيد الفعلي و الواقعي لثقافة الحوار. مضمون الرسالة: هلا اعطيتني فكرة عن واقع الحوار في عصرنا الحالي؟ وكيف يمكن تنميته في حياتنا من خلال الكشف عن المعوقات وسبل تجاوزها؟ واشكرك على الايضاحات المتعلقة بالحوار وشكرا.
نص الـجـــواب: مشكورة على إهتماماتك الثقافية و المنهجية هذه بموضوع الحوار ، لكن لعل إعتباراتي المتعددة و إشغالاتي الصحفية و البحثية لا تسعفني في أن امد لسماحتك يد العون اللازمة في مباحثاتك وأرجو من الله أن نوفق للقاء و التواصل و التعاون ، المهم واقع الحوار بالعالم الإسلامي أو بالشرق العربي تحديدا لا يزال في مرحلة الطفولة أحيانا و المراهقة الثقافية أخرى ، و هذا مرده لعدة معوقات منها التاريخاية التي غالبا ما نعبر عنها بالحوار البزنطي الذي ليس بحوار أساسا بل مهاترات و منها النفسية او التي تتعلق بتضخم الشخصية (الشخصنة) أو النرجسية النفسية حيث صاحبها يظن نفسه فوق النقد و المناقشة و أخرى سياسية موجهة تحاول إرباك المشاريع التحررية سواءا على مستوى الإجتماع أو الثقافة او الدين و الأخيرة هي إستكبارية تستجمع عدة امراض ، هذا هو واقعنا بالمختصر المفيد و بكل واقعية و لك أن تلاحظي ذلك في المجتمعات الصغيرة أقصد الأسرة أو حتى في لقاءات الحب المليئة بالنرجسية ، أختي الفاضلة إن الحوار عندنا بحاجة لتأصيل معرفي سياسي إجتماعي إيماني و هذا لا يتسنى إلا عن طريق العمل المؤسساتي التخصصي الواسع النطاق و الحر أولا لأن أية تبعية من شأنها إدخالنا في نفق آخر من المعوقات الفنية للحوار ، و الغرب رغم الملاحظات المتعددة حول منهجياته الحوارية إلا أن المنظمات الغير الحكومية و مراكز البحث والدراسات فيه استطاعت أن تغني جزءا من مجتمعاتها بثقافة الحوار و التسامح و التثاقف بينما نحن المسلمون مشكلتنا أننا نحدق في الأبطال و ننسى البطولات و الحكم عديدة و أخلاقنا الإسلامية سواءا الفردية او الإجتماعية تغني العالم كله، و نركز على نقاط الصراع و النزاع و الخلاف قبل نقاط اللقاء ، صديقتي الفاضلة : هي عبارة واحدة "اتقوا الله يعلمكم الله" فقبل مباشرة أي عمل أو فعل لابد من نية صادقة و الحوار قبل أن يؤسس و يعلن عنه لابد من تزكية للقلوب و توعية للعقول و رفع للحجب الشيطانية من على البصائر و هناك سوف نرتقي لأن نكون أهل حوار و تشاور و تثاقف ...